العلاقات التاريخية بين موريتانيا والامارات وراء حفاوة الأستقبال لولد الغزواني في أبوظبي
العلاقات التاريخية بين موريتانيا والامارات وراء حفاوة الأستقبال لولد الغزواني في أبوظبي
حفاوة الاستقبال وكرم الوفادة اللذان حظي بهما الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني في دولة الإمارات قبل أيام، أكدا من جديد على عمق العلاقات بين البلدين، وعلى الروابط الأخوية الوطيدة بين دولة في أقصى الخليج وأخرى في أقصى المحيط، وكأنهما جارتان حميمتان لا تفصل بينهما حوالي عشرة آلاف كيلومتر هي المسافة بين نواكشوط وأبوظبي.
والعلاقات بين البلدين لها مرجعياتها التاريخية والثقافية والحضارية الراسخة، كما لها أبعادها الإستراتيجية في علاقة بالجغرافيا السياسية لغرب أفريقيا ومنظومة الساحل والصحراء ووعي القيادة الإماراتية بأهمية موريتانيا في تكريس الأمن القومي والإقليمي، والتصدي للإرهاب والتطرف، ونشر ثقافة السلام والتسامح والاعتدال.
ويشكل دعم موريتانيا ومدها بالعون والمساعدة في كل المجالات، من ضمن البنود الأساسية لرؤية رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في تحديد خارطة العلاقات الإقليمية والدولية، فموريتانيا كموقع جغرافي في أقصى جنوب غرب العالم العربي، وكبوابة أساسية على ضفاف الأطلسي لأفريقيا ما وراء الصحراء، تشكل أهمية إستراتيجية قصوى للأمن القومي العربي، وهو ما يمكن استنتاجه من خلال المساعدات الأمنية والعسكرية المهمة التي تقدمها أبوظبي لنواكشوط بما ساعد موريتانيا على المحافظة على استقرارها في ظل وضع متقلب بالساحل الأفريقي، وعلى أن تكون نموذجا للحياة السياسية والاجتماعية المتوازنة والبعيدة عن الصراعات العبثية.
الشيخ محمد بن زايد ينظر إلى موريتانيا كجسر للتواصل الحضاري بين العرب والأفارقة ومركزا للإسلام المعتدل المتسامح
وينظر الشيخ محمد بن زايد إلى موريتانيا كجسر للتواصل الحضاري بين العرب والأفارقة، ومركزا للإسلام المعتدل المتسامح سواء من خلال تجذره في الفقه المالكي المعتمد في أبوظبي ودبي والغالب في البحرين والكويت والمتميز بحضور مهم في المنطقة الشرقية السعودية إلى جانب المغرب العربي وغرب أفريقيا، أو من خلال المدارس الصوفية التي كانت دائما حصنا مهما لسماحة الدين ووحدة المجتمعات.
وتعتبر موريتانيا من دول المستقبل التي تمتلك مقومات النهضة الشاملة، لاسيما في ظل العمل على اكتشاف ثرواتها الطبيعية وإمكانياتها الواسعة في الطاقة والمعادن في البر والبحر، وفي وجود مؤشرات جادة عن قرب تحولها إلى قطب مهم للغاز، وللهيدروجين الأخضر. وفي مناسبات عدة عبر الشيخ محمد بن زايد عن عمق الروابط بين البلدين، وأكد الحرص الدائم على تطويرها بشكل مستمر، حيث أشار إلى موقف الدولتين في العمل على محاربة الإرهاب والتطرف.
ويمكن تفسير التقدير العالي الذي يتعامل به الإماراتيون مع الموريتانيين بحالة النقاء التي وجدوها لديهم، وبما ورثه أبناء الشيخ زايد عن والدهم من الدقة في قراءة الملامح والسمات وفي فهم خصوصيات التجمعات البشرية وطبائعها.
وعندما يقول الشيخ محمد بن زايد إن "ما يجمع بلدينا تاريخ طويل من العلاقات الأخوية المتينة"، و"أمامنا اليوم فرص عديدة ومتنوعة لتعميق هذه العلاقات وتعزيز التعاون في مختلف المجالات والتشاور في قضايا المنطقة ومستجداتها"، فهو يؤكد على جملة من المعطيات الأساسية التي تميز صلات الود والأخوّة بين البلدين، ومنها: الارتياح والثقة المتبادلان بين القيادتين والشعبين منذ بداية سبعينات القرن الماضي.
وفي 28 أبريل 1974 أدى الرئيس المختار ولد داداه زيارة إلى أبوظبي سرعان ما رد عليها الشيخ زايد بزيارة هي الأولى من نوعها إلى نواكشوط في أغسطس من نفس العام، ليكتشف لأول مرة الثراء الثقافي والحضاري وعمق واتساع المعارف لدى الشناقطة، وليشهد من داخل خيمة الضيافة البدوية وجها آخر للعروبة التي طالما كان يعتز بها، وجسدها الشعراء والفنانون والكتاب والمثقفون والفقهاء المالكيون، وتم من خلالها فسح المجال واسعا للتعاون المشترك في كل المجالات وانتداب العديد من الكفاءات الموريتانية للعمل في دولة الإمارات.
كان الشيخ زايد يمتاز بعاطفة خاصة نحو الموريتانيين، وكثيرا ما كان يصفهم بالنخوة والأصالة ورفعة الأخلاق، وشهد لهم بالتميز في العلوم الشرعية واللغوية، فقام بتولية العلماء والقضاة الموريتانيين في المناصب الشرعية العليا في دولة الإمارات، ليشكلوا جسرا ثقافيا وفكريا بين البلدين، لا يزال متواصلا إلى اليوم. ولعل خير مثال على ذلك حاليا، هو الشيخ العلامة الموريتاني عبدالله بية الذي تم تعيينه على رأس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي عند تشكيله في يونيو 2018 بهدف التنسيق لضبط الفتوى الشرعية و توحيد مرجعيتها وتنظيم شؤونها وآليات إصدارها في الدولة.
ومن يتابع آثار الأيادي البيضاء الإماراتية في موريتانيا سيعجز عن إحصاء ما رسّخته روح الإخاء بين البلدين منذ سبعينات القرن الماضي، وفي كافة المجالات تقريبا، من صحة وتعليم وأمن ودفاع وإسكان وبنى تحتية وتنمية وطاقة وصناعة وزراعة وأعمال خيرية وإنسانية وغيرها، وآخرها ما تم الإعلان عنه قبل أسابيع، والمتمثل في تلبية الإمارات دعوة الرئيس ولد الشيخ الغزواني إلى مواصلة الجهود المبذولة لإنشاء جامعة للتخصصات العلمية في نواكشوط، وذلك بهدف رفد سوق العمل الموريتاني بالكفاءات الأكاديمية والتقنية والمهنية اللازمة، حيث سيتم بناء الجامعة بطاقة استيعابية تصل إلى 1500 طالب وطالبة مع إمكانية زيادة طاقتها الاستيعابية خلال الفترة القادمة.
من يتابع آثار الأيادي البيضاء الإماراتية في موريتانيا سيعجز عن إحصاء ما رسّخته روح الإخاء بين البلدين منذ سبعينات القرن الماضي
وكان قد تم سابقا تدشين كلية الدفاع محمد بن زايد بنواكشوط التي تعتبر مهامها فريدة من نوعها في شبه المنطقة، وتتمثل في تكوين الضباط السامين من القوات المسلحة لدول الساحل وتحضيرهم لشغل وظائف قيادية عليا، وذلك بتنمية الروح المعنوية والكفاءة في استعمال مختلف الأسلحة والقدرة على تطبيق مبادئ القيادة والتسيير في المجال العملياتي سواء على المستوى الوطني أو متعدد الجنسيات.
وقد أعرب الرئيس ولد الشيخ الغزواني عن تقديره الكامل لأيادي الإمارات البيضاء نحو بلاده، وقال "لقد نجح والدنا المغفور له الشيخ زايد بن سلطان وإخوانه شيوخ الإمارات وأبناؤه من بعده في مجابهة هذه الصحراء.. وبقوة الإرادة وشموخ العزيمة ورسوخ القناعة تحققت هذه المعجزة التي ستظل مصدر إلهام لشعوب المنطقة وشعوب العالم أجمع".
وجدد الحرص على تعزيز العلاقات في جميع المجالات مع الدولة، مؤكدا أن الشعب الموريتاني يعتبر الإمارات أول شريك إستراتيجي بكل ما يمثله ذلك من رغبة قوية في تعزيز فرص التعاون والارتقاء بالعلاقات الأخوية بين الجانبين. ففي سبعينات القرن الماضي، سألت صحيفة فرنسية الرئيس المختار ولد داداه عن الزعيم الأقرب إلى نفسه، فأجاب دون تردد: الشيخ زايد، واليوم يتكرر الموقف، حيث تبدو الإمارات الأقرب إلى الموريتانيين، وهو ما ترجمته الحفاوة البالغة التي لقيها الرئيس ولد الغزواني في أبوظبي الاثنين الماضي.
ليست هناك تعليقات