المحظرة الموريتانية .. أجيالا متلاحقة من فطاحلة العلماء وفحول الشعراء وصفوة المرابطين وخيرة الأمراء وكبار المربين


 

لقد أنجبت المحاظر في ربى شنقيط وعلى أرض المنارة والرباط ـ ومنذ ثمانية قرون من الزمن ـ أجيالا متلاحقة من فطاحلة العلماء وفحول الشعراء وصفوة المرابطين وخيرة الأمراء وكبار المربين ممن تغنى بذكرهم الزمان الغابر وفاخر بشمائلهم المكان والظرف الحاضر وروت تلائدهم وطرائفهم الأصاغر عن الأكابر حتى كانوا مضرب الأمثال وقبلة المريدين ومنارات الهدى فكانوا بحق أبر خلف لأعز سلف.

يمكن القول إننا قل منا من لم يدرك هذه الربوع وهي لا تزال حياة البادية هي السمة الأبرز في ملامحها، ثم ها نحن اليوم نعيش على ظهرها وقد تحولت في عقود معدودة إلى دولة مركزية ذات عمران حضاري، من يدخل عاصمته لا يصدق أن عمرها بالكامل لا يتجاوز نيفا وخمسين سنة, ومن ينظر إلى مدنها الكبيرة قد لا يصدق أنه بالأمس القريب كان التمصر والتمدن على أرضها أسطورة يتحدث عنها جل أهل البادية وكأنها ضرب من الخيال أو الكبريت الأحمر يذكر ولا يرى ـ

نعيش هذه الحالة غير المعتادة, ثم لا نتساءل عن سر هذه الاستجابة السريعة العفوية التلقائية لداعي الحضارة والتمدن في هذا الظرف القياسي دون تدرج يذكر ودون تراكم التجربة، كما لا نتساءل عن تلك القوافل من الشناقطة الذين سافروا من عمق صحراء جرداء قاحلة ثم دخلوا مباشرة إلى حضارات عمرها آلاف السنين فتبوأوا فيها مقام السنام، وكانوا بها موضع التقدير والاحترام، وأيضا لا نتساءل لماذا تحصل هذه المفارقة التي لم تحصل قط في التاريخ في غير صحراء الملثمين، مهد المرابطين ونقطة انتهاء فتح كبير الفاتحين، حيث يعانق العلم الربى، ويغني الشعر على إيقاع هبوب الصبا، ويسترشد الأمراء في تدبير الإمارة بكتابات البدو الرحل، ما السر وراء هذا وذاك وذلك ؟ لا شك أن هناك سرا عميقا ولغزا محيرا ومعجزة خارقة، إنه لغز المحظرة وسرها المكنون ومعجزتها الباهرة. ﴿ ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون﴾.

المحظرة مؤسسة أهلية عتيقة وأصيلة بسيطة وعميقة بخصائصها المميزة إلا أنها صنعت منا قلب المتحضر في قالب البدوي، وهي التي جعلت منا أئمة الهدى ومنارات الدجى، وهي التي اختزلت أبعاد الحياة المترامية المتباينة فأصبحت تريك كل شيء في لا شيء، ورغم تلك المزايا والخلال ورغم أنها لما تصب بالعقم رغم القضم والظلم والهضم ـ بل إن البدائل التعليمية في بلادنا تكاد تعلن الإفلاس وتدخل مصحة علاج العقم لولا قبس من نورها وحنو من عاطفتها وجرعة من علاجهاـ

ومما لا شك فيه أن هذا الموضوع من أجل الموضوعات في ساحات البحث المعاصرة لما له من أهمية، وقد اتبعت فيه أسلوب البحث العلمي باستقصاء المسألة من مظانها وفي هذه الوريقات قد لا يمكن عرض كافة السبل الكفيلة بتطوير التعليم المحظري، ولكن حسبنا بعض الإشارات والخطوط التي يمكن أن تكون أساسا يُبنى عليه وقاعدة يُنطلق منها.

 

المحظرة الموريتانية .. أجيالا متلاحقة من فطاحلة العلماء وفحول الشعراء وصفوة المرابطين وخيرة الأمراء وكبار المربين المحظرة الموريتانية .. أجيالا متلاحقة من فطاحلة العلماء وفحول الشعراء وصفوة المرابطين وخيرة الأمراء وكبار المربين بواسطة محمد حامد on يوليو 12, 2021 Rating: 5

ليست هناك تعليقات

مدون محترف