هكذا استقبلت قرية «لمدن» جثمان فقيدها «ديدي»


 سيدة على أعتاب الثمانين، تتداعى بين الصفوف، تريد أن تلقي آخر نظرة على الجثمان، لقد جمعهما العُمر على هذه الأرض في «لمدن»؛ تقول مستجدية المزدحمين: «أريد أن أراه.. أريد فقط أن ألقي نظرة عليه».. هي لا تبكي ولكنها تُبكي، تمد يدها لعلها تصل إلى الجسد النائم وسط الزحمة، تكرر بحزن المؤمنة الصابرة: «لقد غادر هذه الأرض خيرٌ كثير».

  قرية «لمدن» ظهيرة امس  يوم الاثنين 23 نوفمبر 2020، تترقبُ وصول الموكب القادم من نواكشوط، هنا حزن فيه شموخ الإيمان، ودموع يغلب عليها الحياء، في انتظار الرجل الذي تجمعت فيه معاني كثيرة عند أهل هذه القرية؛ فهو «الابن» البار الذي ينحدر من أرومة العلم والتصوف، ابن شيخهم و«شيخُهم» الهادئ والوقور.

إنه «الشاب» المتعلم أحسنَ تعليم، و«الإطار» الكفؤ الذي تلقفته الوزارات وهو شاب، ليعمل مع الرعيل الأول من جيل الاستقلال، إنه «الرجلُ» الذي اختاره الموريتانيون ليحكم، فاختار له القدرُ أن يخرجَ من الحكم بسرعة، ليدخل قلب كل موريتاني.إنه «ديدي».. أو هكذا يُحب أهل لمدن أن يكنُّوه، فيرددون منذ أن وصل الخبر: «رحمكَ الله يا ديدي».. ليختزلوا بذلك كل المعاني التي يمثلها الراحل بالنسبة لهم.. تصل سيارة الإسعاف المسجد الجامع بقرية «لمدن»، تولت فرقة من الدرك حمل الجثمان المسجى بالعلم الوطني، المراسم الرئاسية ما تزال مستمرة من مسجد ابن عباس حتى مسجد لمدن، والمسافة بين المسجدين طويلة والفوارق كثيرة

لم يتسع الوقت للكثير من الحديث، فما إن وصل الجثمان يرافقه وفد حكومي رفيع المستوى، حتى بدأت إجراءات الدفن.. لا وقت هنا للحديث، خفتت السياسة وتوارى السياسيون، فالمشهد يتصدره رجالٌ ملثمون بالصمت، ونساء يرابطن وراء الجدران، بدا وكأنه استقبال أكثر منه توديعاً، فلا شيء يوحي بحزن الناس سوى احمرار خفيف ودمع طفيف، يجاهدون لإخفائه بالإسراع في الدفن.تقول سيدة بصوت مبحوح قادم من بعيد: «إنه رجل ثمين وعزيز، يبش لكل من لقيه، ويقضي لكل ذي حاجة حاجته بكل سرور»، تشهد لها صويحباتها بأن صدقت، قبل أن تضيف إحداهنَّ: «كان صافي القلب نقيه».

.

 

هكذا استقبلت قرية «لمدن» جثمان فقيدها «ديدي» هكذا استقبلت قرية «لمدن» جثمان فقيدها «ديدي» بواسطة محمد حامد on نوفمبر 24, 2020 Rating: 5

ليست هناك تعليقات

مدون محترف